فصل: استحباب إعلام قرابته وأصحابه بموته:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فقه السنة



.استحباب إعلام قرابته وأصحابه بموته:

استحب العلماء إعلام أهل الميت وقرابته وأصدقائه وأهل الصلاح بموته ليكون لهم أجر المشاركة في تجهيزه، لما رواه الجماعة.
عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى للناس النجاشي في اليوم الذي مات فيه، وخرج بهم إلى المصلى، فصف أصحابه، وكبر عليه أربعا.
وروى أحمد والبخاري عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا، وجعفرا وابن رواحة، قبل أن يأتيهم خبرهم، قال الترمذي: لا بأس بأن يعلم الرجل قرابته وإخوانه بموت الشخص.
وقال البيهقي: وبلغني عن مالك بن أنس أنه قال: لاأحب الصياح لموت الرجل على أبواب المساجد، ولو وقف على حلق المساجد فأعلم الناس بموته لم يكن به بأس.
وأما ما رواه أحمد والترمذي وحسنه عن حذيفة، قال: إذا مت فلا تؤذني بي أحدا، فإني أخاف أن يكون نعيا.
وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي فإنه محمول على النعي الذي كانت الجاهلية تفعله.
وكانت عادتهم إذا مات منهم شريف بعثوا راكبا إلى القبائل، يقول: نعاء فلانا أي هلكت العرب بمهلك فلان، ويصحب ذلك ضجيج وبكاء.

.البكاء على الميت:

أجمع العلماء، على أنه لا يجوز البكاء على الميت، إذا خلا من الصراخ والنوح، ففي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذب بهذا أو يرحم» وأشار إلى لسانه.
وبكى لموت ابنه إبراهيم وقال: «إن العين تدمع، والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون» وبكى لموت أميمة بنت ابنته زينب، فقال له سعد بن عبادة يا رسول الله أتبكي؟ أو لم تنه زينب، فقال: «إنما هي رحمة فجعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء» وروى الطبراني عن عبد الله بن زيد قال: رخص في البكاء من غير نوح.
فإن كان البكاء بصوت ونياحة، كان ذلك من أسباب ألم الميت وتعذيبه.
فعن ابن عمر قال: لما طعن عمر أغمي عليه، فصيح عليه فلما أفاق قال: أما علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي».
وعن أبي موسى قال: لما أصيب عمر جعل صهيب يقول: واأخاه، فقال له عمر: يا صهيب أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الميت ليعذب ببكاء الحي» وعن المغيرة بن شعبة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من نيح عليه فإنه يعذب بما نيح عليه» روى هذه الأحاديث البخاري ومسلم.
ومعنى الحديث، أن الميت يتألم ويسوءه نوح أهله عليه، فإنه يسمع بكاءهم وتعرض أعمالهم عليه، وليس معنى الحديث أنه يعذب ويعاقب بسبب بكاء أهله عليه، فإنه لاتزر وازرة وزر أخرى.
فقد روى ابن جرير عن أبي هريرة قال: إن أعمالكم تعرض على أقربائكم من موتاكم فإن رأوا خيرا فرحوا به وإذا رأوا شرا كرهوا.
وروى أحمد والترمذي عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات، فإن كان خيرا استبشروا به، وإن كان غير ذلك قالوا: اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا» وعن النعمان بن بشير قال: أغمي على عبد الله بن رواحة، فجعلت أخته عمرة تبكي: واحبلاه، واكذا، واكذا، تعدد عليه فقال حين أفاق: ما قلت شيئا إلا قيل لي: أأنت كذلك رواه البخاري.

.النياحة:

النياحة مأخوذة من النوح، وهو رفع الصوت بالبكاء.
وقد جاءت الأحاديث مصرخة بتحريمها، فعن أبي مالك الاشعري: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن: الفخر في الاحساب، والطعن في الانساب، والاستسقاء بالنجوم، والنياحة» وقال: «النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران، ودرع من جرب» رواه أحمد ومسلم.
وعن أم عطية قالت: أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لاننوح رواه البخاري ومسلم.
وروى البزار بسند رواته ثقات أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صوتان ملعونان في الدنيا والآخرة: مزمار عند نعمة، وزنة عند مصيبة» وفي الصحيحين عن أبي موسى أنه قال: «أنا برئ ممن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم برئ من الصالقة، والحالقة والشاقة».
وروى أحمد عن أنس قال: أخذ النبي صلى الله عليه وسلم على النساء حين بايعهن، أن لا ينحن، فقلن: يا رسول الله إن نساء أسعدننا في الجاهلية. أفنسعدهن في الإسلام؟ فقال: «لا إسعاد في الإسلام».

.الاحداد على الميت:

يجوز للمرأة أن تحد على قريبها الميت ثلاثة أيام ما لم يمنعها زوجها، ويحرم عليها أن تحد عليه فوق ذلك، إلا إذا كان الميت زوجها، فيجب عليها أن تحد عليه مدة العدة. وهي أربعة أشهر وعشر.
لما رواه الجماعة إلا الترمذي عن أم عطية، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لاتحد امرأة على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ولا تلبس ثوبا مصبوغا، إلا ثوب عصب، ولا تكتحل، ولا تمس طيبا، ولا تختضب، ولا تمتشط إلا إذا ظهرت، تمس نبذة من قسط، أو اظفار».
والاحداد ترك ما تتزين به المرأة من الحلي والكحل والحرير والطيب والخضاب.
وإنما وجب على الزوجة ذلك مدة العدة، من أجل الوفاء للزوج، ومراعاة لحقه.

.استحباب صنع الطعام لأهل الميت:

عن عبد الله بن جعفر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اصنعوا لآل جعفر طعاما، فإنه قد أتاهم أمر يشغلهم» رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي.
وقال: حسن صحيح.
واستحب الشارع هذا العمل، لأنه من البر والتقرب إلى الاهل والجيران.
قال الشافعي: وأحب لقرابة الميت أن يعملوا لاهل الميت في يومهم وليلتهم طعاما يشبعهم، فإنه سنة وفعل أهل الخير.
واستحب العلماء الالحاح عليهم ليأكلوا، لئلا يضعفوا بتركه استحياء أو لفرط جزع.
وقالوا: لا يجوز اتخاذ الطعام للنساء إذا كن ينحن لأنه إعانة لهن على معصية.
واتفق الائمة على كراهة صنع أهل الميت طعاما للناس يجتمعون عليه، لما في ذلك من زيادة المصيبة عليهم وشغلا لهم إلى شغلهم وتشبها بصنع أهل الجاهلية لحديث جرير قال: كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنيعة الطعام بعد دفنه من النياحة.
وذهب بعض العلماء إلى التحريم.
قال ابن قدامه: فإن دعت الحاجة إلى ذلك جاز، فإنه ربما جاءهم من يحضر ميتهم من القرى والأماكن البعيدة.
ويبيت عندهم، ولا يمكنهم إلا أن يضيفوه.

.جواز اعداد الكفن والقبر قبل الموت:

قال البخاري: باب من استعد الكفن في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينكر عليه، وروى عن سهل رضي الله عنه «أن امرأة جاءت النبي صلى الله عليه وسلم ببردة منسوجة، فيها حاشيتها أتدرون ما البردة؟ قالوا: الشملة قال: نعم قالت: نسجتها بيدي، فجئت لاكسوها، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها فخرج إلينا، وإنها إزارة، فحسنها فلان فقال: اكسنيها ما أحسنها قال القوم: ما أحسنت، لبسها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجا إليها، ثم سألته، وعلمت أنه لا يرد، قال: إني والله ما سألته لالبسها، إنما سألته لتكون كفني، قال سهل فكانت كفنه».
قال الحافظ معلقا على الترجمة: وإنما قيد أي البخاري الترجمة بذلك.
أي بقوله: فلم ينكر ليشير إلى أن الإنكار وقع من الصحابة، كان على الصحابي في طلب البردة، فلما أخبرهم بعذره لم ينكروا ذلك عليه، فيستفاد منه جواز تحصيل ما لابد منه للميت من كفن ونحوه في حال حياته، وهل يلتحق بذلك حفر القبر؟ ثم قال: قال ابن بطال: فيه جواز إعداد الشئ قبل وقت الحاجة إليه.
قال: وقد حفر جماعة من الصالحين قبورهم قبل الموت، وتعقبه الزين بن المنير: بأن ذلك لم يقع من أحد من الصحابة، قال: ولو كان مستحبا لكثر فيهم.
وقال العيني: لا يلزم من عدم وقوعه من أحد من الصحابة عدم جوازه.
لان ما رأه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن، ولاسيما إذا فعله قوم من العلماء الاخيار.
قال أحمد: لا بأس أن يشتري الرجل موضع قبره، ويوصي أن يدفن فيه.
وروي عن عثمان وعائشة وعمر بن عبد العزيز رضيا لله عنهم أنهم فعلوا ذلك.

.استحباب طلب الموت في أحد الحرمين:

يستحب طلب الموت في أحد الحرمين: الحرم المكي، والحرم المدني، لما رواه البخاري عن حفصة رضي الله عنها أن عمر رضي الله عنه قال: اللهم ارزقني شهادة في سبيلك واجعل موتي في بلد رسولك صلى الله عليه وسلم فقلت: أنى هذا؟ فقال: يأتيني به الله إن شاء الله.
وروى الطبراني عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من مات في أحد الحرمين بعث آمنا يوم القيامة» وفيه موسى بن عبد الرحمن، ذكره ابن حبان في الثقات وعبد الله ابن المؤمل ضعفه أحمد ووثقه ابن حبان.
موت الفجأة روى أبو داود عن عبيد بن خالد السلمي - رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - قال مرة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قال مرة: عن عبيد قال: موت الفجأة أخذة آسف.
وقد روي هذا الحديث من حديث عبد الله بن مسعود وأنس بن مالك وأبي هريرة وعائشة، وفي كل منها مقال.
وقال الازدي: ولهذا الحديث طرق، وليس فيها صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وحديث عبيد هذا الذي أخرجه أبوداود، رجال إسناده ثقات.
والوقف فيه لا يؤثر، فإن مثله لا يؤخذ بالرأي، فكيف وقد أسنده الراوي مرة.

.ثواب من مات له ولد:

1- روى البخاري عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مامن الناس من مسلم يتوفى له ثلاثة لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم».

2- وروى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النساء قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: اجعل لنا يوما فوعظهن وقال: «أيما امرأة مات لها ثلاثة من الولد كانوا لها حجابا من النار»، قالت امرأة: واثنان قال: «واثنان».
أعمار هذه الأمة روى الترمذي عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك».

.الموت راحة:

روى البخاري ومسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة، فقال: «مستريح ومستراح منه»، فقالوا: يا رسول الله، ما المستريح وما المستراح منه؟ فقال: «العبد المؤمن يستريح من نصب الدنيا، والعبد الفاجر يستريح منه العباد والبلاد والشجر والدواب».

.تجهيز الميت:

يجب تجهيز الميت فيغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن، وتفصيل ذلك فيما يلي:

.1- غسل الميت:

يرى جمهور العلماء أن غسل الميت المسلم فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن جميع المكلفين، لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم به، ولمحافظة المسلمين عليه.

.2- من يجب غسله ومن لا يجب:

يجب غسل الميت المسلم الذي لم يقتل في معركة بأيدي الكفار.

.3- غسل بعض الميت:

واختلف الفقهاء في غسل بعض الميت المسلم.
فذهب الشافعي وأحمد وابن حزم إلى أنه يغسل ويكفن ويصلى عليه، وقال الشافعي: بلغنا أن طائرا ألقى يدا بمكة في وقعة الجمل، فعرفوها بالخاتم، فغسلوها وصلوا عليها، وكان ذلك بمحضر من الصحابة.
وقال أحمد: صلى أبو أيوب على رجل، وصلى عمر على عظام.
وقال ابن حزم: ويصلى على ما وجد من الميت المسلم، ويغسل ويكفن إلا أن يكون من شهيد.
قال: وينوى بالصلاة على ما وجد منه، الصلاة على جميعه: جسده وروحه.
وقال أبو حنيفة ومالك: إن وجد أكثر من نصفه غسل وصلي عليه، وإلا فلا غسل ولا صلاة.

.4- الشهيد لا يغسل:

الشهيد الذي قتل بأيدي الكفرة في المعركة لا يغسل ولو كان جنبا، ويكفن في ثيابه الصالحة للكفن، ويكمل ما نقص منها، وينقص منها ما زاد على كفن السنة، ويدفن في دمائه، ولا يغسل شيء منها.
روى أحمد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تغسلوهم فإن كل جرح، أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة»، وأمر صلوات الله وسلامه عليه بدفن شهداء أحد في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم.
قال الشافعي: لعل ترك الغسل والصلاة لأن يلقوا الله بكلومهم لما جاء أن ريح دمهم ريح المسك، واستغنوا بإكرام الله لهم عن الصلاة عليهم، مع التخفيف على من بقي من المسلمين، لما يكون فيمن قاتل من جراحات وخوف عبودة العدو، رجاء طلبهم وهمهم بأهلهم، وهم أهلهم بهم.
وقيل: الحكمة في ترك الصلاة عليهم: أن الصلاة على الميت، والشهيد حي، أو أن الصلاة شفاعة، والشهداء في غنى عنها لأنهم يشفعون لغيرهم.

.5- الشهداء الذين يغسلون ويصلى عليهم:

أما القتلى الذين لم يقتلوا في المعركة بأيدي الكفار، فقد أطلق الشارع عليهم لفظ الشهداء، وهؤلاء يغسلون، ويصلى عليهم، فقد غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم من مات منهم في حياته.
وغسل المسلمون بعده عمر وعثمان وعليا، وهم جميعا شهداء، ونحن نذكر هؤلاء الشهداء فيما يلي:
1- عن جابر بن عتيك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الشهادة سبع سوى القتل في سبيل الله: المطعون شهيد، والغرق شهيد، وصاحب ذات الجنب شهيد، والمبطون شهيد، وصاحب الحرق شهيد، والذي يموت تحت الهدم شهيد، والمرأة تموت بجمع شهيدة». رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند صحيح.
2- وعن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما تعدون الشهيد فيكم؟» قالوا: يا رسول الله من قتل في سبيل الله فهو شهيد قال: «إن شهداء أمتي إذا لقليل»، قالوا: فمن هم يا رسول الله؟ قال: «من قتل في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد، ومن مات في الطاعون فهو شهيد، ومن مات في البطن فهو شهيد، والغريق شهيد» رواه مسلم.
3- وعن سعيد بن زيد: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد» رواه أحمد والترمذي وصححه.